العيش في مجموعة شمسية
الزيارات:

Mahmoud | 4:53:00 AM |

ليس في هذه الصخرة ما يغري بالنظر إليها؛ فهي تكوين رسوبي حُبيبي الملمس
ذو لون رمادي باهت، ولا تزيد في حجمها عن ثمرة البطاطس. هي واحدة من آلاف
الصخور التي تتحرر من نطاق الجاذبية الضعيف لكوكب المريخ حين يصطدم أحد
الأحجار النيزكية بالبحر المالح لسهل مريدياني بلانوم. تحتوي هذه الصخرة على
عينات من الحصائر الميكروبية الكثيفة التي تغطي سطح البحر الضحل، شأنها في
ذلك شأن العديد من الصخور التي قذف بها الاصطدام. سرعان ما يتناثر الحطام
في الفضاء بين الكواكب بعد تشكل المجموعة الشمسية وتصير الاصطدامات شائعة.
يمر الوقت، وتنطلق معظم الصخور التي قذفها المريخ في الفضاء العميق بلا
حدود. هذه الصخرة مميزة؛ لأن مسارها تقاطع في الزمان والمكان المناسبين مع
كوكب الأرضبعد أن دار في مداره مليون مرة. تسقط الصخرة من سماء زرقاء على
كوكب مجدب. لقد عمَّ الدمار كوكب الأرض بفعل سلسلة الارتطامات الهائلة التي
أدت إلى تبخر المحيطات وذوبان السطح الصخري؛ مما أدى إلى فناء الميكروبات
البدائية التي تشكلت في دهر الهاديان الذي مر به الكوكب.
ترتفع حرارة الصخرة مع دخولها الغلاف الجوي السميك، لكن مركزها يظل
باردًا. بعد مرور سنوات على هبوطها، يؤدي تعرضها للتجمد وذوبان الجليد على
نحو متناوب إلى تفتتها، ويذيب المطر بعض مكوناتها الداخلية ويرسب مادتها في
بركة ضحلة، حينئذ تزوَّد الميكروبات بالمياه، وتعود إلى الحياة مرة أخرى. ومع أن
المواد الكيميائية للموطن الجديد المحيط تشكل بيئة مثيرة للتحدي لتلك الميكروبات،
فبعد آلاف الأجيال من التكيف تزدهر هذه الميكروبات وتنتشرفي العديد من المكامن
البيئية الجديدة.


يتباين مسارا الكوكب الأم والكوكب المتبني للصخرة، فكوكب المريخ ليس ذا
جاذبية كافية تتيح له الاحتفاظ بغلاف جوي سميك أو تحريك التكتونيات؛ لذا
يتعرض الكوكب للجفاف ويصير صحراء قارصة البرودة. أما كوكب الأرض فله
غلاف جوي سميك يموج بنتاج عملية التمثيل الضوئي، ومع الوقت، تبزغ شجرة
الحياة ذات التنوع البيولوجي شديد التعقيد.


بعد أن تجتاز الأرض مدارها مرات ومرات عديدة، تنطلق أربعة من الكائنات
الحية كبيرة الحجم لكوكب الأرضفي الفضاء. هي لا تنتقل في صخرة، بل في حاوية
معدنية تحوي عالمًا مصغرًا يماثل الغلاف الجوي للكوكب. وفي حين تطل هذه
الكائنات بناظريها بشغف عبر نافذة صغيرة، يلوح المريخ في الأفق. وفيما بعد،
وعلى سطح المريخ، تعمل هذه الكائنات متسلحة بهدف، وتتحرك بيسر في الجاذبية
الرقيقة. إنها بعيدة للغاية عن الوطن، لكنها عادت إلى الوطن أيضًا.



تطرقنا حتى الآن للنهايات في إطار سياق ثلاثة عوالم مألوفة ومتداخلة: الكائن البشري،
والأنواع البشرية، والمحيط الحيوي الذي يضم كل البشر. الآن نخطو خارج عالم المألوف
لننتقل إلى العالم الكوني غير المألوف.
ثمة سبب يدفعنا لتدبر الكيفية التي ستنتهي عليها حياتنا، وهي وفاة مليارات
الأشخاص على مر التاريخ، وعلى نحو مماثل ثمة سبب يدفعنا لتدبر الكيفية التي
سينتهي عليها نوعنا؛ أن كل الأنواع قد تعرضت لآلية الانتخاب الطبيعي. لكن في حالة
المحيط الحيوي وكوكب الأرض نحن نواجه مشكلة تتمثل في وجود مثال واحد فقط
يمكننا دراسته والتعلم منه. وللاهتداء إلى الكيفية التي سينتهي بها العالم، نحتاج إلى
إيجاد أمثلة أخرى لكواكب حية تماثل كوكب الأرض. ودون توافر معلومات إضافية، ثمة
طريقتان مختلفتان لتفسير حقيقة أننا كائنات ذكية تعيش على كوكب معمر يستضيف
حياة وافرة.
ربما يكون كوكب الأرض حالة نادرة. أثار بيتر وارد ودون براونلي، من جامعة
مناقشات « الأرض النادرة » واشنطن، بكتابهما الشهير الذي طُرح عام ٢٠٠٠ بعنوا


حامية في الدوائر الأكاديمية وما وراءها. يتفق المؤلفان مع معظم العلماء على أن نطاق
كائنات البيئات القاسية على كوكب الأرض يشير ضمنيٍّا إلى أن الحياة الميكروبية قد
تكون شائعةً إلى حدٍّ ما على الكواكب الأرضية خارج المجموعة الشمسية، لكنهما يميزان
التي يمكن تعريفها على أنها مخلوقات ؛« المعقدة » بشدة بين الحياة من أي نوع والحياة
كبيرة تتمتع بالذكاء. ليس من الضروري أن تتسلح هذه الكائنات بالتكنولوجيا، وليس
من الضروري أن تكون بشرًا أو رئيسيات، لكنها مخلوقات كبيرة معقدة متعددة الخلايا
تحوي عقولًا أو شيئًا مماثلًا.


يرى وارد وبراونلي أن تطور الحياة المعقدة يحتاج إلى بيئة مستقرة معمرة
ومجموعة من الظروف الخاصة إلى حد ما. هذه الظروف تشمل وجود مدار مستدير
مواتية في مجرة درب التبانة، وكوكب « هادئة » تقريبًا حول نجم معمر كالشمس، وبيئة
عملاق كالمشتري لتوفير الحماية ضد الارتطامات، وقمر كبير لتحقيق استقرار المدار،
وقدر كافٍ من الماء، وتكتونيات الصفائح. من العسير للغاية تحقيق كل هذه الشروط،
على افتراضأن هذه العوامل تتسم بصفتين متناقضتين؛ « الأرضالنادرة » وترتكز حجة
أنها غير محتملة الوجود، وأنهاضرورية لتطور حياة معقدة.
خلال العقد الماضي تبين لنا أن الكثير من هذه الشروط ليس ضروريٍّا. على سبيل
المثال، تُظهر عمليات المحاكاة أن توافر الماء ووجود تكتونيات الصفائح سيكونان من
السمات الطبيعية للكواكب الصخرية التي تبعد عن نجومها مسافات تماثل المسافة بين
الأرض والشمس. أيضًا تُظهر هذه العمليات أن وجود كوكب ضخم كالمشتري يمكن أن
يتسبب في عدد كبير من الارتطامات الهائلة بقدر ما يحول دونها. والأهم من ذلك أنه لم
لتطور « ضروري » يثبت بعد — وربما من المستحيل أن يثبت — أن أيٍّا من هذه السمات
حياة معقدة. لقد رأينا بالفعل أن الحياة والبيئة يوجدان على نحو تكافلي؛ لذا سيكون
استخدام صفات البيئة المادية للزعم بعدم احتمالية نتيجة معينة منطقًا مغلوطًا. كل
ذلك يوجهنا إلى الاتجاه المعاكس.



قد لا تكون الأرض نادرةً. لقد عمل علم الفلك بنجاح في ضوء مبدأ كوبرنيكوس،
طيلة السنوات الأربعمائة الماضية. لكن هذا المبدأ أشبه بتخمين ،« مبدأ عدم التميز » أو
قائم على الاستكشاف أو على بعض المعلومات منه بنظرية رسمية. فمع كل لحظة، ومع
اكتسابنا لمزيد من المعارف عن الكون، نجد أننا لسنا متميزين أو متفردين. ما من شيء
فريد أو مميز بشأن مجرة درب التبانة وموقعنا داخلها والنجم الذي ندور حوله.


لقد خُلِّقت المكونات الأساسية للحياة — الكربون والماء — ووزعت في كل الأماكن بلا استثناء.
ويجري اكتشاف الكواكب خارج المجموعة الشمسية بصورة أسبوعية تقريبًا؛ إذ يسجل
التعداد الحالي ٤٠٠ كوكب تقريبًا، وسرعان ما سنكتشف كواكب مماثلة للأرض. 1
فكر في الكواكب على أنها حبيبات من الرمل. في رقعة من الشاطئ تبلغ مساحتها
مترًا مربعًا، وبافتراضأن الرمل يمتد فيها بعمق متر واحد، يصل عدد حبيبات الرمل إلى
حوالي ١٠ مليار حبة رمل. لو تجاهلنا الكواكب العملاقة الغازية وأقمارها، يكون ذلك
التقييم مقبولًا ظاهريٍّا لعدد الكواكب الأرضية في مجرة درب التبانة. الآن لنتخيل أننا
سنفحص كل حبة رمل في ذلك المتر المكعب. في ضوء سيناريو كوكب الأرض النادر، قد
يكون من غير المرجح للغاية أن تقابل أي حبة رمل يمكن العيش عليها كما هو ممكن
على حبة رملنا. لكن إذا لم يكن هناك شيء مميز بشأننا، فقد تحتوي المساحة البالغة
مترًا مكعبًا على آلاف أو حتى ملايين الكواكب المماثلة لكوكب الأرض.



تشمل فرضية كوكب الأرض النادر عامل الوقت؛ إذ استغرق انتقال الكائنات من
1). ليست - المادة البدائية اللزجة إلى الحضارة ٤ مليارات عام على هذا الكوكب (الشكل 7
فترات التطور المتواصل الطويلة أمرًا ممكنًا في العديد من المناطق في المجرة وحول العديد
من النجوم الهائلة. كيف يمكننا أن نقرر أن الوقت الذي استغرقه تطور حياة معقدة
على سطح الأرضيجعل تطورها في أي مكان آخر أمرًا مرجحًا أو غير مرجح؟
يرى ريتشارد جوت، عالم الفيزياء الفلكية بجامعة برنستون، أن حجة مبدأ
كوبرنيكوس يمكن تطبيقها على المواقف التي لا يتاح لديك فيها سوى عينة واحدة، ما
دام ليس هناك أي سبب للاعتقاد بأنك ترصد الموقف في وقت خاص. والمنطق هنا شديد
البساطة، لدرجة قد تستعصي على التصديق؛ فاحتمالية رصد الشيء في منتصف فترة
وجوده أكبر من احتمالية رصده عند بدايته أو نهايته. ونسبة احتمالية رصد الشيء في
منتصف فترة وجوده تبلغ ٥٠ ٪ في حين تبلغ احتمالية رصده في الفترة الممتدة ما بين
انقضاء ٢٫٥ ٪ من عمره وقبل ٢٫٥ ٪ من نهايته ٩٥ ٪، وهذا ينطبق على أي موقف رصد.
طبق جوت هذا التفكير على قادة العالم وعلى الكلاب وعلى المسرحيات الموسيقية
المعروضة في برودواي، لكن دعنا نستخدم مثاله عن البشرية. نحن موجودون منذ حوالي
٢٠٠ ألف عام. ووفق الحجة الزمنية لمبدأ كوبرنيكوس، من غير المحتمل أن يمثل عدد
الأعوام البالغ ٢٠٠ ألف عام نسبتي ال ٢٫٥ ٪ الأولى أو الأخيرة من نطاق الوجود الكامل
للبشرية. وفي ظل نسبة احتمالية تبلغ ٩٥ ٪ سيظل الجنس البشري باقيًا لمدة تزيد عن ٥١٠٠ عام .


وتقل عن ٧٫٨ ملايين عامًا، وهو ما قد نتوقعه بالنظر للأنواع الأخرى من
الثدييات. 2
يمكن تطبيق مبدأ كوبرنيكوس من أجل تحديد وقت النشوء بدلًا من طول البقاء.
افترضأن ثمة حياة معقدة موجودة في مكان آخر في الكون، وأن الوقت الذي استغرقته
الحياة للنشوء على كوكب الأرضليس مميزًا بأي شكل، بل هو نموذج للتوزيع الإجمالي.
لقد استغرق تطور الحياة المعقدة على الأرض ٤ مليارات عام. لذا بوسعنا أن نقول في
ثقة تبلغ نسبتها ٩٥ ٪ إن تطور الحياة المعقدة في أي مكان آخر يجب أن يستغرق ما
بين ١٠٠ مليون عام و ٨٠٠ مليار عام. هذا نطاق شاسع للغاية، لكنه يعلمنا بالكثير،
فعند النهاية العظمى، لا يمكن إلا للنجوم الأقل كتلة أن تستضيف الحياة، وستكون
المناطق الصالحة لاستضافة الحياة حولها قليلة للغاية. أما عند النهاية الصغرى، يسلم بيتر وارد
بأن تطور الحياة المعقدة لن يستغرق سوى ١٠٠ مليون عام، وهذا سيفسح
المجال لمشاركة النجوم عالية الكتلة ذات الأعمار الأقصربكثير من الشمس.


من الشائع أن تندمج فكرتا الندرة والتميز، « كوكب الأرضالنادر » عند مناقشة فرضية
لذا فلنحاول الفصل بينهما، فالكواكب المماثلة للأرض قد تكون نادرةً وقد لا تكون
كذلك، وهو ما يمكن لعمليات الرصد أن تحدده في الوقت المناسب.
أما التساؤل عما إذا كانت الكواكب المماثلة للأرضهي الكواكب الوحيدة التي يمكن
أن تشهد تطور الحياة المعقدة فهو أمر مختلف تمامًا. إن كانت أفكارنا عن الحياة المعقدة 

وكيفية تطورها شديدة التمركز حول كوكب الأرض فربما يكون كل ما فعلناه
هو نسج قصة تفسر السبب وراء ضرورة أن يكون العالم من حولنا على النحو الذي
هو عليه كي يوجد البشر. إننا لا نزال في مرحلة الصراع من أجل اكتشاف كواكب مماثلة
للأرض، أما تحديد خصائص الكواكب بما يكفي لأن نحدد إذا كانت صالحةً للحياة
أو هي مأهولة بالفعل فهو أمر يبعد عنا بعدد قليل من الأعوام، أما التحقق فعليٍّا من علامات
 وجود حياة على كواكب الأرض البعيدة فربما يبعد عنا بعدد من الأعوام يتراوح
من ١٠ إلى ٢٠ عامًا.



ديفيد جرينسبون هو أحد العلماء المتخصصين في علم الكواكب، وأيضًا هو عازف
جيتار غير متفرغ بفرقة روك. إنه عالم يعتمد على المشاركة النشطة، وهو يرضىبالتعلم
من المسبارات الفضائية، لكنه يتوق لأن يهيم على سطح العوالم الغريبة بنفسه. وهو
تحولت سلالة قطي » : يملك وجهة نظر غير مألوفة بشأن النتيجة غير العادية؛ إذ يقول
ووكي من قطط أزقة تكاد تتضور جوعًا إلى قطط منزلية محبوبة عبر سلسلة غير
محتملة من الحوادث … ثقوا بي، ففي ضوء كل الأحداث الاستثنائية التي تحتم مرور
سلالته بها على نحو ما سارت عليه تمامًا، من المرجح بشدة أنه ما من قط آخر مثل
،(« فرضية القطة النادرة ») ووكي. لا أقصد من كلامي هذا أنه لا وجود لأي قطط أخرى
3«. كل ما هنالك أنه لا توجد قطط أخرى تماثل ووكي تمامًا
مفيدًا، فنحن لا نعرف سوى أحد المسارات التي « التميز » قد لا يكون مفهوم
تطورت من خلالها الحياة لتصير ذكية. ربما يكون المسار الوحيد، لكن لا يوجد ما
يدعونا للاعتقاد بذلك. الأرجح أن تفكيرنا أو تطورنا مقيد بالبيئة التي نعيش فيها
كيف يبدو » وأنه يفتقر إلى الخيال. لقد ألف جاك كوهين وإيان ستيوارت كتابًا عنوانه
هدف في جزء منه إلى دحض مفهوم كوكب الأرضالنادر. «؟ المريخيون
مثلما تصمد كائنات البيئات القاسية في ظروف مادية متنوعة — تعد طبيعيةً وغير
استثنائية بالنسبة لها، لكنها شديدة الصعوبة لنا — من الممكن أن يكون باستطاعة
أكثر صور الحياة تطورًا أو تعقيدًا أن تصمد في ظروف غير مألوفة. ومع ذلك، فقد
يكون قضاء يوم على الشاطئ أمرًا مروعًا لمثل تلك الكائنات، أو حسبما وصفه كوهين
يتدفق في جميع أرجاء المكان إشعاع كهرومغناطيسي منهمر كالأمطار، » : وستيوارت
وغلاف جوي متآكل من الأكسجين، وتلك المادة المذيبة الشديدة المسماة بأول أكسيد
الهيدروجين





0 التعليقات:

Post a Comment

شاهد ايضا